21 - 06 - 2024

إيقاع مختلف | كان صرحاً من خيال

إيقاع مختلف | كان صرحاً من خيال

(أرشيف المشهد)

20-1-2015 | 14:30

حين تكون الحقائق أسطع من أن تخفى وتكون المشاعر أعمق من أن تحتاج إلى تعبير، ويكون كل ما فى الكيان ناطقا بما يقر فى الروح من مشاعر وأحاسيس، إلا اللسان، فأنت أمام الطريقة التى اختارها مؤلفى "الأديب اللبنانى سليم نصيب" وهو يصف حال العلاقة بين أم كلثوم وأحمد رامى، على صفحات رواية (أم) ، التى كتبها مؤلفها باللغة الفرنسية، و ترجمها إلى اللغة العربية الشاعر "بسام حجار" تحت عنوان (كان صرحاً من خيال) وأجراها على لسان شاعر الحب : أحمد رامى.
فقصارى ما تقوله هى له : قصيدتك تسكن فى كيانى وتتحد بروحى، أو أن تبكى بين يديه قبل أن تخضع لجراحة دقيقة، أو أن تقف إلى جواره فى استقبال ضيوفها عند افتتاح بيتها الجديد وكأنها تقول: إنه هو جزء أصيل من هذا البيت.
أما هو، فقصارى ما يفعله أن يصوغ حالهما فى قصائد وأغنيات، تترجم ما يحسه من الحب والوصل و البهجة، أو الهجر والبين والحرمان.
نعم كان هذا قصارى ما يفعله كل منهما دون أن يتجاوز.
كيف يمكن أن يتم تفكيك تاريخ الوطن وإعادة تركيبه استنادا إلى مجموعة من القصائد والأغنيات؟؟ هذا السؤال تجيب عنه صفحات الرواية حين تقوم بتفكيك التاريخ المصرى وإعادة تركيبه استنادا إلى قصائد رامى وأغنيات ثومة، لم يكن مؤلفى يكتب على صفحاتى التاريخ الشعرى لرامى ، ولا التاريخ الغنائى لثومة فحسب، بل كان يتجاوز ذلك ليكتب تاريخ مصر ذاتها.
القصر الملكى حاضر على صفحاتى، وحزب الوفد موجود أيضا، والصراع بينهما يعبر عن نفسه فى وضوح وجلاء، بل إن الإنجليز أيضا موجودون بذواتهم وبصراعاتهم داخل مصر، بل وصراعاتهم خارجها أيضا، دون أن يخرج ذلك عن سياق الاستناد إلى قصائد رامى وأغنيات ثومة، فحين يقرر الإنجليز مثلاً أن يؤسسوا إذاعة جديدة فى صراعهم ضد الألمان والإيطاليين يطلبون من ثومة أن تفتتحها بأغنية لها ، وتسأتنس هى برأى رامى فى الأمر... فهل ينصحها بأن تقبل هذا العرض المغرى؟؟؟
على هذا النحو تمضى صفحات هذه الرواية المدهشة لتقول لنا ببساطة أكثر إدهاشاً: إن الإبداع الحقيقى ليس مساحة للترف أو البهجة، وليس حلية اجتماعية أو إنسانية زائدة، يمكن الاحتفاظ بها أو الاستغناء عنها، وإنما هو فى قلب الحركة الحضارية للمجتمع، وفى قلب التطور الحضارى للإنسان.
أعصم ذاتى من أن تصاب بالقهر ، فلا أجرؤ على مقارنة ما أقرأ على صفحات الرواية بما أحياه فى حياتنا اليوم من حال الإبداع والمبدعين، بل ما أحياه اليوم من حال الوطن والإنسان.
أتساءل: هل غاب كل الحقيقيين؟ وهل غابت كل الأشياء الحقيقية؟ وهل بقى لنا فقط أشياء لا تشبه الأشياء، وأشخاص لا يشبهون الإنسان؟
!

مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة





اعلان